الخميس، 13 ديسمبر 2012

ســـلـــمـــى



هذا هو اسمك/

قالتِ امرأة ،
وغابتْ في الممرٌِ اللولبيٌِ“

                      ***


أنا متفائل بطبعي، مجتهد لا أعطي للحظ مساحة في حياتي، وإن كنت لا أعترف بوجوده،فالحظ الحقيقي هو نتاج إجتهادنا فقط،ذقت الفقر ولم ألعنه،تبدلت أحوالي كالطقس المتغير من السيئ إلي الأفضل ولم أشكره،تذوقت رغد العيش،سكنت شقة فاخره،كل ذلك نتاج تعبي وليس طفرة عطف من حظِ.

_ ليت قومي يعلمون

مرت الكثير من الليالي وأنا توأمُ للجليد المستوطن القطب الشمالي..لا أحرك ساكنآ لرؤية أية فتاه..وذلك ماكان يثير غضب أصدقائي، حتى انصرفوا عن دعوتي لليالي السمر والسهرات الملونه،ولم يعترفوا قط بأن كل النساءعندي متشابهات، الملامح،قصات الشعر، ألوان الزينه، حتي الضحكات كانت كلها متشابهة، تلك تشبه ضحكة هيفاء وهبي عندما تظهر مالديها من فنون الغنج والدلال، وآخري تشبه ضحكة بوسي عندما تتمايع في أحد مسلسلاتها، لاأجد لهن طعمآ..ولكن أصدقائي لم يفطنوا لوجهة نظري أبدآ

عشت بذلك البرود زمنآ..لا أمتثل لكلمات نزار عندما أسمعه يتعبد في محاريب الأنثي،ويتفنن في وصف مفاتنها..بل أشعر أنه عبدآ من عبيد الملكه.
_الآنثي ؟!

ما الأنثي إلا حواء ..ومن أخرجنا من الجنة سواها؟.
تلك مبادئي التي لن أغيرها أبدآ فأنا لا أتغير بتغير الظروف المحيطة بي..بل إنني لا أهتم كثيرآ بالمتغيرات!

                   ***

يوم الأجازه..(كم أحبه)،أظل ملازمآ فيه سريري،محتضنآ لوسادتي الحنونه..لكن شدةالضجيج بالخارج أحيانآ يسلبني ذلك النعيم الذي أشعر به
_ اوووف..صدق عدويه( زحمه يادنيا زحمه)

ذلك الصباح علي غير العاده لم أجد ضيقآ في أن أستمع لأبواق السيارات..بل رحت ألحنها وكأنني تشايكوفسكي
_ بيب بيبيب بييب

ظلت تلك المقطوعه ( البوقيه) كما أسميتها تتردد علي لساني طوال الصباح.

_ هيا ياكيس القمامه بيب سأخذك للخارج بيب

بخطوات راقصه وصلت لمقبض الباب،ياللروعه..من ذلك الدافينشي الذي تفنن في رسم مثل تلك المقابض
لم أنه التجول في مساحات خيالي الخصبه حتي سمعت صوت نقرات ذلك الذي تترنح له الرؤوس..إنه الكعب العالي أحفظ صوته الشرير..عاجلت المقبض بلفة دائريه سريعه انزلق علي إثرها اللسان فانفتح الباب...لأراها أمامي تتعارك مع مفتاح شقتها المقابله لي بعد أن رفض أن يطيعها في ذلك الجو البارد، وكأنني أري أمامي ( كامليا) فاتنة السينما،بل وإنها تفوقها جمالاً، نظرت إلي وما أسرع علامات التعجب التي وقعت فوق ملامحها

_ من أنت؟
_أنا هاني! الساكن الجديد
ارتسمت علي شفتيها إبتسامة جميله
_ وأخيراً..سأجد لي جاراً! لقد ظننت أن الشقة شاغره
_ أنا أيضآ ظننتها كذلك إلي أن وجدتني بها
_  نظرت قليلآ..ههههه لم أفهمها في البدايه.أنا سلمي
_ مرحبآ..هل تواجهين صعوبه في فتح الباب؟
_أكره تلك الابواب في الشتاء..لا أجني من ورائها إلا صعوبة التعامل والصرير الذي يصم الآذان

رأيت أنه من الواجب أن أظهر شهامتي (تلك أيضآ إحدى حسناتي)

_أتريدين المساعده؟
_ ستصنع لي معروفاً

لم أتحدث إلي الجيران أبدآ منذ سكنت هنا لعلمي أن الاختلاط بالأخرين يجلب المشاكل،لكنني اظن أن تلك المره شعرت براحه للتحدث مع أحدهم ..بل ولمساعدته أيضآ،ظننت أن الباب سيفتح عن مخرن سنجاب مليء بقشور الجوز بل وأنه يظل كل الوقت يقنعك بأن تلك حبات كامله يخزنها للشتاء
لكن الباب انفتح علي جنة غنّاء سحرتني حتي أنني ولجت داخلها بدون استئذان لأقف أمام مكتبة كبيره منمقه بعنايه شديده صفت كتبها الأكبر فالأصغر،ألوان الجدران جميله هادئه ،الأثاث يكاد ينطق ليقول لك (إن الله جميل يحب الجمال)تغرد من وراء قضبان قفص صغير عصفورة كناري صفراء ماأبدع ذلك الصوت إنني حقا أشعر بأن...

_هل أعجبك ذوقي؟

سحبتني من براثن ذلك السحر المتجول في شقتها لأجدها وقد أعدت فنجانين من القهوه

_أعتذر ولكنني لم أتمالك نفسي أمام ذلك الجمال فأنا أعشقه بالإضافه لعشقي للقراءه
_ أصبحنا اثنين، من كاتبك المفضل؟

تبارينا في مستوي الثقافه حتى استسلمت آخيراً أمامها،فاجأتني ثقافتها الغزيره وعلمها الوفير ( إنها مكتبة ثقافه متحركه)

_ لم تخبرني عن طبيعة عملك
_ لدي شركة للدعاية والإعلان خاصه بي..عملت بجهد مع بعض أصدقائي حتي أصبحت تقريبآ الوحيده التي تذكر الآن في الأسواق..وأنت ِ؟

تلعثمت قليلآ وكأنها تفاجأت بالسؤال،لكنها سرعان ماتلمست خصلات شعرها بدلال لتجيب بابتسامه

_ أنا أعمل مضيفه جويه
_يالشجاعتك!

قالت بتعجب وقد قطبت حاجباها ( لماذا؟)!
_ لأنني أعاني من فوبيا المرتفعات..تحديت نفسي ذات مره أن استمر في رحله جويه من القاهره إلي الغردقه..لم أنتظر أن تقلع الطائره حتى هربت من المطار
_هههههههههههه

_ أنا حقآ سعيد بتلك المصادفه، إن إحتجتِ لأي شئ فأنا في خدمتك
تركت تلك الجنه وعدت أدراجي إلي منزلي لأعيش مع كل همسه وكل تعبيرة وكل..وكل...

لم يمر شهران حتي كنا صديقين فعلآ ،لا أذكر ان لحظة ما بعثرت هذا التوافق الذي أستشعره بيننا

ولكن، بعد عام واحد قررت أن أعتزل دور الراهب الذي يعيش بخلوة الطهاره لأدفن رأسي في صحراء الحب العطشى.

_هاني،لا تنس عيد ميلادي يوم الثلاثاء
_كل عام وأنتِ أرق وأجمل

قررت أن أكسّر حواجز الكذب التي ظللت أقنع نفسي بها سنين طويله، وإن كانت سلمي قد شجعتني علي فعل ذلك،فقررت أن تكون هديتي غير متوقعه.

_ لاأصدق أنك ستفعلها أخيراً( قال حسن وأيده أصدقاؤنا)
_لقد راهنت كثيرآ أنه لم تخلق بعد تلك الأنثي التي تحطم لي مبادئي ومعلوماتي العتيقه التي أختزلتها في بضع صور مشهوهة عن النساء..إنها سلمى
نطقتها كأنما أتذوق روعة الإسم لأول مره
ركعت علي ركبتي أمام صديقاتها وبعض المدعوين،وكشفت عن علبة صغيره يرقد بقاعها خاتم ماسي،يكشف بريقه عن مدى الحب المكنون بقلبي

أنتِ حقيقتي ، وأنا سؤالكِ
لم نرِثْ شيئا سوي اسْميْنا
وأنتِ حديقتي ، وأنا ظلالكِ
عند مفترق النشيد الملحميٌِ

_ تزوجيني
كانت صديقاتها أشد مني فرحة بينما صفق الرجال لبساطتي،لكنها كانت عكسهم بدت كحجر صلد يرقد بركن الهرم الأكبر
_لماذا؟
_ لأنني أحبك
_ لم أكن أتمنى أن تقع بتلك الحفرة أبدآ

تركتني لأجد نفسي محل شفقة المحيطين بي لصعوبة الطعنه التي تلقيتها بقلبي.

عشت أيامآ وأنا كسير متهدم الطموح،أشفق علي حالي، هاتفها مغلق طوال الوقت.

_ كلنا مررنا بنفس الموقف مره وأكثر ..سيأتي اليوم الذي تنسي فيه ماقد صار

_ سأخرجك أنا من تلك الحاله( قال نضال)

لم تكن تلك السهره ولا غيرها لتنسيني ماقد صار، كنا نتأمل تلك العاهره التي ترقص علي العامود، تترك المسرح لأخرى تفعل مثل سابقتها،لكن صدمتي كانت عندما رأيت وجه الملاك الذي يرقص

_ سلمي!

كانت تتلوي كالأفاعي، صالت وجالت الذكريات برأسي من صدمتي..بينما أطبق الصمت علي كل حواسي إلا عيني،رأيتها تدخل شقتها علي أطراف أصابعها،سرعان مالحقتها لأهزم قوتها وأرميها بالداخل وبعيني ملايين الأسئله التي تركض خلف بعضها،لم يكن السُكر الذي بعقلي نتاج خمور معتقه، بل تأثير صدمة حب


_ كنت أحب عاهره؟..كيف أستطعتِ خداعي

حاولت التنصل من أسئلتي،حاولت طردي..لكن كبريائي رفض إلا ان ينتقم،آخر مشهد أتذكره من تلك الليله، هي نقاط الدم المتناثره فوق صفحة السرير الأبيض،وكلمات الرساله التي تركتها

_ سأسامحك علي فعلتك ولكن..سيأتي اليوم الذي تتمني لو أنك شكرتني علي رفضي لك

، لقد رجوت الشيطان كثيرآ ألا يضعني في إمتحان وليتركني أعيش كما أنا بسلام،أفقت من نومي علي أصوات الأبواق مرة أخري،وصوت هاتفي يعلو

 _ ألو
_ مرحبآ هاني..أنا دكتور فكري
_ هل ظهرت النتيجه؟
_جاءت النتيجه بما كنت أخشاه..

يا موت !
يا ظلٌِي الذي سيقودني
يا ثالث الاثنين
يالوْن التردٌد في الزمرٌد والزٌبرْجدِ
يا دم الطاووس ، يا قنٌاص قلب الذئب
يا مرض الخيال !
اجلسْ علي الكرسيٌ !
ضعْ أدواتِ صيدك تحت نافذتي

وعلٌِقْ فوق باب البيت
سلسلة المفاتيح الثقيلة



_سأعيش الآن وقلبي مشطور إلي نصفين، تسكن سلمي نصفه..بينما يأكل الإيدز نصفه الآخر.

قصة :سلمي
الكاتبه:ليلي الشعيني
مقاطع الشعر مأخوذه من جدارية الشاعر محمود درويش