الجمعة، 26 يوليو 2013

سأعود سيرتي الأولى


هرب اليأس من تحت عتبة الباب العالي حيث يجلس أبي ليحدث الشمس عنا حديثاً لا يفهم تفاصيله سوى رجل شرقي كما أبي..
ظل طيلة صباحه يمشط حقول التين بابتسامة يانعة يظلل بطرف ثوبه صغار  النباتات ويقرأ لهن حكاية الجميلة النائمة تحت عروش الحزن تنتظر فارسها بلهفة ..فموعد لقائهما في فصل الربيع..
_ هناك يا أبي يجلس الجدول الباكي تحت ظل السنديان الأعمى..فهيا نغير مجرى الجداول الصغيرة كي لا تمطر السحب وجعاً.
كلاهما يحب الآخر..لكنني أرفض علاقة الحب بين الحزن والعجز فكلاهما يفتحان الباب أمام موت المشاعر الرطبة بل ويمدان له يد العون..
سنبلة سمراء كما بشرة صغار الحي..تضحك لي من بعيد ..أراها بوضوح تغازلني.. يقبل النسيم وجنتها فتزداد سمرة ويزيد الحياء..يكتشف أبي ذلك الغرام الأخضر بيننا فيضم خجلي بقلب تمرة صغيرة ويروي بؤس سنين في مجرى ريقه الحلو فتزدهر بشرته وتتفتح مسامه أمام ذلك المنظر البهي.
_ سنجمع أوراق النعناع المبتسمة ونرجع حيث تركنا العمر ينتظرنا.
قال أبي فاهتزت ضلوع الأرض بالحب..توعدته بالرعاية ان سقط يوماً في تربتها..
أسمعها تناديه ..
_في قلبي ستنتقل إلى ذلك العالم الآخر الذي لا تدري عنه شيئاً..لكنني سأكون لك خير أم وخير دار.
العيون الغريبة تتلقفنا بغيرة وعيون الحاقدين لا تعرف للحسد حدود..أختبئ وسط الزهور البيضاء وأتذوق بعضاً من ثمر التين فسرعان ما أشعر بانهزام شهيتي وتوقف ضجيج النحل من حولي..
سأذهب لأسلك دروب الفلاحين وأحمل على كتفيّ شواهد الصيف وكيزان الذرة وأحتمي من مطر الشتاء تحت ورقة من شجر الموز..تلك هي الجنة الصغيرة التي يرعاها لي أبي كي أعيش في كنفها حياتي الأولى..
ولحياتي الأولى أصغر من أن تذبل في دمعة قاسية..أو فكرة ضائعة فرأسي ليس وطن للأفكار..
ينتهي معرض المشاعر المزروعة بأرضنا الشاسعة..وتنادي الشمس باسم وتعاتبه على نسيانه تفاصيل الحكاية
يحملني..يهدهدني..ثم يعيدني سيرتي الأولى..حكاية صغيرة يحكيها للشمس قبل أن تطبع على شاربيه قبلة ما قبل الغروب.

الأربعاء، 10 يوليو 2013

ذكرى


في عيد زواجهم العاشر
تأنقت كعروس في ليلة عرسها..وحين دقت الساعة الثانية عشر ذهبت إلي خزانة ملابسه وقبلت قميصه المضرج بالدماء.

مشاعر باهتة


واصلت قراءة رسائل الشوق والحب وهي تبتسم..ثم أشعلت النار في ما تبقى من حب زائف وعادت لترتدي خاتم زواجها مرة أخرى.

ملامح

كانت الشجرة العجوز تنظر بعطش إلى من كان يرويها..وحين هبت نسمة خفيفة أسقطت بضع ورقات فوق قبره.

مصير


ضحكت منه وقالت بسخرية
هل تبكي على كوب من اللبن المسكوب
قال لها..لم يكن لدينا سواه.

برتقال

عند عودته من السفر سألها..
ما بال ذلك البرتقال أسوداً
فقالت:
كنت أروي الشجر بدموعي حتى تتذوق طعم غيابك عني.

الجمعة، 5 يوليو 2013

هكذا أموت


* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وعمر انقضى لا أدري من أي جهة يتردد صداه بسمعي.
في المساء قررت اجتياز كل عقبات الحياة آخذة طريقي إلى دارنا, ذو العتبة العالية والألوان الباهتة ,والذاكرة الضعيفة..كانت خطواتي لينه تماماً كالتربة الندية أو كزهر المشمش في الصباح, أشبهه ويشبهني ويكمل أحدنا الآخر.

طريق طويل !! من يلهمني الصبر كي أراوغه؟  فيقطع من ذاته بضعة أمتار.

أنادي أنا..
_ يا ليل.. يا روح الغريب  ومنبع القلق فوق نوافذ النساء..خذني حيث بيت أهلي ومقعد جدتي .

طويل هو ذلك الليل, كلما اجتزت من عقبات الحياة واحدة شمّر هو عن عشر عقبات أخرى بوجهي..ربما سأعذره في الغد حين أنظف ثيابي من صراخ الريح وعواء الذئاب الرابضة
بحكايات أختي الصغيرة, أو ربما لن أغفر له أبداً .. غداً ستذكرني الشمس بما يجب عليّ فعله.

_ يا أبي, تعال وأقضي معي شهرين من فصل الآلام كي تشعر بوجع بعادك الذي يبكي في قلبي, أو ضعني في سلة الفاكهة فيعيرني أحدهم انتباهه فيلهيني عن ذكرك مرة أخرى.

قدمي تضرب بطن الأرض وتعجل بموت صغارها فلا يوجد ها هنا سوى بذور من الكراهية تنمو إلى جوار باقات من الصبار الذي يرتجي قطرة ماء نقية..

_ سأجلس قليلاً , سأريح قدمي .. وأبكي قليلاً حتى ينتعش الصبّار ويزهر.

في مواجهة دارنا يقف شاب أسود الشعر, أبيض العيون, منكسر القلب, يتلو صلاة ليست من ديننا .. ويغرد كمالك الحزين لا أفقه من نحيبه سوى اسمي يتردد مئات المرات دون جدوى, فأنا لا يطربني سوى الغناء الفرح.. أو تغريدة البلبل في صباحات الربيع.
أشعر بقدمي يلفها الصقيع, ويدي تعجز عن الكتابة..لكن الصبّار ما زال يتجدد بأرض دارنا.

_ يا أنا .. يا أنا .. أناديني فلا اسمع, صوتهم بعيد.. يتركني هنا في فضاء ويمضي, اصرخ أنادي..تعالوا إليّ ومزقوني فوق عتبات دارنا العالية لكن لا تتركوني للجوع هنا.

تأتي أختي الصغيرة وتضع كتاب حكاياتها بجواري وتنطلق ممسكة بيد جدتي التي تركت مقعدها وأتت كي تزرع نبتة أخرى من الصبار.
 يا ذاتي المسكينة,خذيني بعيداً عن موطن الفكرة الحزينة,بعيداً عن أبواب دارنا الباكية ولنرحل كما كنا نفعل قبل الآن..فلم يعد فنجان الشاي في الشتاء يذكرهم بابتسامتي أو سخونة أنفاسي, ولم يعد لي في جوارهم جوار.
دار كلما اقتربت منها ابتعدت,كلما ذكرت الريح اسمي جلجلت غصون الياسمين في مزهرياتهم..ولا يفقه احد منهم أنهم لا يغيبون عني أبداً.
رحل عني الجميع..وبقيت وحدي مع دفتر صغير ومئات من أشجار الصبّار  التي تنتظر أن أقص لهم حكاية جديدة عني قبل الرحيل.. ولكن!!

ليت قومي يعلمون..أن الموتى يذيبهم الحنين.