الثلاثاء، 23 أبريل 2013

لمسة فراغ


في صفحة الصباح المخملي أواري سوءة كوابيس ناطحت عيناي طوال الليل..ألهبت النار في بياضها وأطفأت لمعة لونها العسلي حتى بدت وكأنها فارة من نزال مع الشيطان.
حيث يهجع الصبر عند منحني الزفير الذي يعلو صوته بسمعي جلست أرقبه من بعيد..في عظمة الجبل الشامخ يقف دون أن يحرك نحوي ساكناً
كنت أرقبه بين الفينة والأخرى بنظرات مسروقة تطويها جفوني خشية أن يُدل علي خبرها احد
في وحدته ينتظر..بقسوة حياته ينتظر..بل وجنان خضراء تحت إقدامه وعلي حافة ملكه تمر دون أن يلتفت إليها
عجبت منه وأخذتني فيه دهشة تكاد توازي في عظمها جمال منظر قزح في ليالي الشتاء الممطرة أو كلهيب نار شبت دون أن يحرق جذوعها أحد
ألم يمل الانتظار؟
لربما ترك هنالك زوجة لا يعرف عنها شيئاً ..لربما ليس هنالك من زوجه ..لربما هنالك أطفال ومسئوليه وقلوب تخفق من بعده
تهب نسمات الصيف فتحرك السنابل الذهبية من حوله فتغمره وتخفيه عن ناظري لثواني يشهق فيها صدري وجعاً علي فرقاه
ثم يعود ويبادلني نظرة أخري تعيد لقلبي الحياة من جديد
تطوي الحمائم فوق قبعته بعض الزجل الذي لا يتقن قراءته سوي رجل مثله
يعلم كيف يكون الكبر باب من أبواب الجمال

كرسي عتيق ينتظرني أمام بيتي جاهزاً ليحتويني بين خشاباته العجوز..يستدرجني النسيم البارد ويراوغني حتى استسلم له في النهاية .. لربما يراقبني في حيرة لكنى أراه بوضوح..أستطيع أن أناقش مع البعد كل تفاصيل وجهه..حتى الجرح الغائر بكتفه أستطيع أن اعد كم غرزه سقطت بخيوطها فوقه ..أعلم أنه قوي بل أنه اقوي من تحملي للسهر ليلتان متتاليتان يحمل في كفه الربيع والخضار..وفي كفه الأخرى يمتلك السماء والآبار والقمر والأنجم..بل أنه يمتلك شطر الحسن
قائد يشبهني في ثورتي علي الوجع,,زاهد يشبه النُساك في خلوته بل ويفوقهم عشقاً..وددت لو أتبعه في رحلاته اليومية إلي حكايات الجنون المطوية تحت وسادته.
أمسك ورقة وريشه كما المتنبي واكتب في ذلك الرجل شعراً..بل أكتب نثراً..كلا سأكتب عنه وعني قصة.
_سأمتلك روحك أيها الشجاع يوماً ما..وسأبني تحت جدار نظرتك بيتاً..أو عشاً..أيهما أيسر للعيش قربك

يأتيني هاجس بأنه يشعر بالعطش..أحمل بين كفي العسل وأدعوه ليرشف منه..كلا سأضع العسل فوق شفتي كي يمتزج مع حمرتها وأذيقه من حرارتها شهداً.
أدعوه إلي طاولتي وأقيم له الولائم..وأغني له حتى إشراقه الشمس وانفراجة الأمل..وأعد له حكاياتي التي كتبتها في طريقي إليه.
سألتهم الوجع بدلاً عنه كي يستعيد عافيته ويصبح في حلٍ من المرض وتبعات النسيان..سأسأله عن جرة مدفونة في أرضه خبأ بها دوراً من الصبر..وحقول من طعم الليمون.
سأستكين للحظات وأغفو علي صدره..سأطبع علي شاربه قبله..يهتز لها للحظة ثم يقع أسيراً تحت قدمي.
ينكشف أمرنا ويفتضح سرنا..وترانا صاحبة الحقل فتصرخ بأعلى صوتها

_ أحلام..فلتحضري مسماراً وجاكوشاً لقد انكسرت قدم رجل الحقل...

الأحد، 14 أبريل 2013

فرح


 



لعبتي الصغيرة..لها فستان وضفيرة  أطعمها سكر دوماً ..لتصبح يوماً ما كبيره !!


_مثلي أنا.


غنت لعروسها وحاكتها بلغة يسيره لا يعلم عنها سيبويه سوي الإبتسامة  البريئة.


قالت..


_أمي تحبني كثيراً ..لقد قتلت الحِلْيَة بثوب أختي وألبستني إياه.


_صوف الغنم لايكفي إطعامنا فكيف بفستان جديد؟


أحببت طريقة أكلها للحروف , واستخدام يديها للتعبير


مجعدة الشعر ..


_لكن الماء يجعل تصفيفه أسهل,أمي قالت أن الماء يعالج شعري


طبع الخبز الجاف علي خدها لوناً فأصبح لها طله منفردة ..


_أنا حلوه مثل السكر 





                        ***


( فرح ) هو اسم الصغيرة التي جاءت إلي الدنيا بغير دقة ساعة,وبغير ضوضاء أو وجع وكأنها لم تولد من رَحم,  فغيرت ما بها من ألوان قاتمة ورعت ماشية طفولتها في مزارع البهجة فكانت تؤتي أُكلها كل حين لا تختبئ أبداً, احتفلت مع الزنابق بعيد الربيع ,رفعت عينها إلي الأفق فما وجدت من اسمها نصيب سوي ضحكة خاطتها أُمها حتى لا تكرهها يوماً.


حلوه مثل السكر كما تقول عن نفسها,لكني أرى أنها هي الحلى بذاته الذي طعّم قلب أهلها بالرضا


قالت الحياة..


_تلك ابنتي فلا تقطعوا عنها رزقاً, ولا تُظهروا لها دمعاً , ولا تدرسوها معاني التعاسة فأكون عليكم غاضبه.


عصافير صغار لعبت معها في الضحى,وأعشاش كروان ملأت سطح عقلها فزانته بصوت التسبيح.


تَنَحّتْ الفكرة عن طريقها,وصامت أخلاقها لله وصلت,بينما اللسان يغني للحياة ويترنم.


_تلك حجتي أمام الله..أني صغيره سيدخلني الجنة.


هذه هي الــ (فرح) لا تخلو قافية من تمجيدها حتى القصص إن أرادت أن تُزين سطورها ببعض التشويق فلن تجد لها خير من تلك الصغيرة.


أنا كنت أرقبها جيداً كلما تسرب السَحَر إلي عشي الصغير فأملأ سطور كتابي بحكاياتها , أظل مراقبة لحجرتها الصغيرة , لا أهنئ ولا يطمئن قلبي إلا برؤيتها تضحك,صغيرة مثلي إلا أني أستطيع الطيران على عكسها.


فستان أزرق لم يكن لها بل لأختها ظلت أمها تحيك ما به من جروح طوال الصباح حتى أجهزت علي أخر جرح به فأصبح مناسباً لقياس الصغيرة فسعدت به كثيراً ..جاءت الحنة بلونها الجميل لتكون أول من يهنئها..بينما كانت هي في قمة السعادة لكونها سترتدي ثوباً جديداً حتى وإن كان لأختها .


لم تلهو الألوان من حولها كثيراً فقد جاءت غرابيب سود واحتلت بيتها الصغير ,تعامد الفرح علي وجه أمها فرحة بصغيرتها ,خضبت كفها الصغيرة بالحناء, وصففت شعرها وأغدقت علي جفنيها بأسود الكحل, بينما امرأة تستعد لكي تقطع أوصال سعادتها المستقبلية


_ما المستقبل ؟


حتما لا تعلم عن الكلمة شيئاً فالفراشات يرفرفن بسعادة واطمئنان فلا يذبح تلك السعادة سوى شعلة نار تضمهن فتقضي علي تلك السعادة التي كانت ترفرف يوماً.


جاء النسوة واقتربوا وشمرن عن سواعدهن المثقلة بالدهون,لا يعلمون عن مدن البراءة ولا عن حدود الطفولة,جل ما يعرفنه في تلك الحياة هو ورقة من المال وكسرة خبز أيهما وجدت فأنها تكفي.


قالت الزهرة كان لي يوماً ظل وأربع ورقات حمراء وكان لدي جيوش من الشوك فإن راوغني غبي قتلته بأحد أشواكي, لكنها ليست زهرة وليس لها أشواك..فليضمد الله جرحها إذا نزف.


باعدت مابين ساقيها , استسلمت لشفرة وبعض من الرماد والليمون ,ولتذهب الروح أينما حلى لها الذهاب فقد أعطتها أجازة حتى إشعار آخر, شُقت ساق الزهرة وانقطعت ورقتها وزمجر بحر الدم فوق مغيب شمسها فغابت عن الوعي ,كانت النصيحة تقول أنه المعتاد


_ستطيب فلا تتعجلون اليأس..قالت القصابة.


لكن الزهرة علي عودها المربوط بشريط مالت وذبلت, واهترأت دمعتها وجفت دون أن تجد من يمسحها عنها, ولم يدوم غيابها كثيراً فقد عادت الروح لتقبل وجنتيها ثم أخذت مالها من صحبة ورحلت حيث هناك لا تطرد دون داعي.


أشارت الصحيفة الرسمية ذات يوم إلي قصتها ..تحت عنوان


_ شهيدة الختان...فرح