في صفحة الصباح المخملي أواري سوءة كوابيس ناطحت عيناي طوال الليل..ألهبت
النار في بياضها وأطفأت لمعة لونها العسلي حتى بدت وكأنها فارة من نزال مع
الشيطان.
حيث يهجع الصبر عند منحني الزفير الذي يعلو صوته بسمعي جلست أرقبه من
بعيد..في عظمة الجبل الشامخ يقف دون أن يحرك نحوي ساكناً
كنت أرقبه بين الفينة والأخرى بنظرات مسروقة تطويها جفوني خشية أن يُدل علي
خبرها احد
في وحدته ينتظر..بقسوة حياته ينتظر..بل وجنان خضراء تحت إقدامه وعلي حافة
ملكه تمر دون أن يلتفت إليها
عجبت منه وأخذتني فيه دهشة تكاد توازي في عظمها جمال منظر قزح في ليالي
الشتاء الممطرة أو كلهيب نار شبت دون أن يحرق جذوعها أحد
ألم يمل الانتظار؟
لربما ترك هنالك زوجة لا يعرف عنها شيئاً ..لربما ليس هنالك من زوجه
..لربما هنالك أطفال ومسئوليه وقلوب تخفق من بعده
تهب نسمات الصيف فتحرك السنابل الذهبية من حوله فتغمره وتخفيه عن ناظري
لثواني يشهق فيها صدري وجعاً علي فرقاه
ثم يعود ويبادلني نظرة أخري تعيد لقلبي الحياة من جديد
تطوي الحمائم فوق قبعته بعض الزجل الذي لا يتقن قراءته سوي رجل مثله
يعلم كيف يكون الكبر باب من أبواب الجمال
كرسي عتيق ينتظرني أمام بيتي جاهزاً ليحتويني بين خشاباته العجوز..يستدرجني
النسيم البارد ويراوغني حتى استسلم له في النهاية .. لربما يراقبني في حيرة لكنى
أراه بوضوح..أستطيع أن أناقش مع البعد كل تفاصيل وجهه..حتى الجرح الغائر بكتفه
أستطيع أن اعد كم غرزه سقطت بخيوطها فوقه ..أعلم أنه قوي بل أنه اقوي من تحملي
للسهر ليلتان متتاليتان يحمل في كفه الربيع والخضار..وفي كفه الأخرى يمتلك السماء والآبار
والقمر والأنجم..بل أنه يمتلك شطر الحسن
قائد يشبهني في ثورتي علي الوجع,,زاهد يشبه النُساك في خلوته بل ويفوقهم
عشقاً..وددت لو أتبعه في رحلاته اليومية إلي حكايات الجنون المطوية تحت وسادته.
أمسك ورقة وريشه كما المتنبي واكتب في ذلك الرجل شعراً..بل أكتب نثراً..كلا
سأكتب عنه وعني قصة.
_سأمتلك روحك أيها الشجاع يوماً ما..وسأبني تحت جدار نظرتك بيتاً..أو عشاً..أيهما
أيسر للعيش قربك
يأتيني هاجس بأنه يشعر بالعطش..أحمل بين كفي العسل وأدعوه ليرشف منه..كلا
سأضع العسل فوق شفتي كي يمتزج مع حمرتها وأذيقه من حرارتها شهداً.
أدعوه إلي طاولتي وأقيم له الولائم..وأغني له حتى إشراقه الشمس وانفراجة
الأمل..وأعد له حكاياتي التي كتبتها في طريقي إليه.
سألتهم الوجع بدلاً عنه كي يستعيد عافيته ويصبح في حلٍ من المرض وتبعات
النسيان..سأسأله عن جرة مدفونة في أرضه خبأ بها دوراً من الصبر..وحقول من طعم
الليمون.
سأستكين للحظات وأغفو علي صدره..سأطبع علي شاربه قبله..يهتز لها للحظة ثم
يقع أسيراً تحت قدمي.
ينكشف أمرنا ويفتضح سرنا..وترانا صاحبة الحقل فتصرخ بأعلى صوتها
_ أحلام..فلتحضري مسماراً وجاكوشاً لقد انكسرت قدم رجل الحقل...